صــُنّـاع الـكـرامـة
على مر التاريخ الإسلامي منذ ولادة الرسالة المحمدية قبل الف واربعمئة عام وما تعاقب من دول إسلامية بعد تأسيس الدولة الإسلامية على يد رسول الله وتتابعت الدول الإسلامية من الخلافة الراشدية الى الأموية إلى العباسية وما تلاها إلى عهد الخلافة العثمانية ونحن نتصفح صفحات مشرقة ومجيدة من تاريخ أمتنا التليد والذي على يد هذه الدول العظيمة انتشر الإسلام وتمت الفتوحات الإسلامية وأزهقت دول الباطل والإفك والطغيان من فرس ورومان وصليبيين وكانت هذه الدول ترهبهم وتهابهم وتحترمهم في نفس الوقت لأنهم لا يخافون بالله لومة لائم وكانوا يحترمونهم لأنهم ما فتحوا مدينة إلا ونشروا فيها الأمن والأمان والعدل وحضاراتهم وثقافاتهم ، ولكن هذه الانتصارات أفل نجمها في نهاية الإمبراطورية العثمانية التي تكالبت عليها دول الغرب لحقدهم على الإسلام ، وبنهايتها دخلت أمتنا في نفق مظلم لا نزال عالقين فيه وكان سقوط الإمبراطورية العثمانية في الحرب العالمية الأولى مفتاحاً لدول الاستعمار لتقضم أراضي امتنا وكل ذلك بسبب تفككنا وتشرذمنا فدخل الاستعمار لاحتلال أراضينا ومن ضمنها فلسطين أرض الإسراء والمعراج الذي منحت بريطانيا فلسطين بوعد بلفور للصهاينة وكان احتلال فلسطين في عام 1948م ومن ثَمَّ في عام 1967م أجهزوا على باقي ارض فلسطين . وهكذا بانتصار الصهاينة على الدول العربية وسقوط فلسطين بأيديهم ، فقد أخذتهم العزة بالإثم وإنهم الجيش الذي لا يقهر ، فجهز موشي دايان جيشه لاحتلال أجزاء من الأردن ليمنع المقاومة من القيام بعمليات ضدهم ، ولعنجهيته فقد قال إنه ذاهب إلى نزهة وأنه سيشرب القهوة في السلط وأن المقاومة الفلسطينية ما هي إلا بيضة سيدوسها بقدميه ، فأتاه الرد الصاعق في 21/3/1968. فمن ديجور الظلام الحالك الذي لف أمتنا إنبثق نور ساطع ليعلن أن بالثبات على الحق والإيمان بالله والوحدة والعزيمة ومهما كانت قلتنا وضعفنا فإن الغلبة للمؤمنين فكانت الكرامة قال تعالى في سورة البقرة – الآية 249 : { كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإذْنِ اللَّهِ واللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ }
يصادف كل عام في 21 آذار من عام 1968م ذكرى معركة الكرامة ، معركة العزة والشرف ، معركة الإباء ، معركة وحدة الدم الأردني الفلسطيني ، معركة الكرامة على ارض الكرامة ، المعركة التي لقن فيها بواسل الجيش الأردني وأبطال المقاومة الفلسطينية العدو الصهيوني أسمى معاني الفداء والبطولة وأسمى معاني الشرف وقد توحد الدم الفلسطيني والأردني في مواجهة صلف العدوالصهيوني الذين كان جنودهم مربوطين بالجنازير في دباباتهم حتى لا يهربوا ، فكان أسود أحفاد أبناء مؤته واليرموك وحطين يواجهون فئران الصهاينة المذعورين الذين دب الهلع والخوف بينهم ، وكانت الهزيمة النكراء لموشيه دايان وجيشه الذي لا يقهر!! فخاب فأله فشربه أبناء الكرامة بدل القهوة سُماً زُعافاً ، وعاد يجر أذيال الخيبة والفشل .
لقد أعادت معركة الكرامة معاني الفخار والعزة وجسدت وحدة الدم ووحدة المصير ، وستبقى معركة الكرامة يوماً خالداً في تاريخ أمتنا ، تجلت فيه الملاحم البطولية فحطمت أسطورة وغرور المحتل ، الذين كانوا يهدفون من خلال معركة الكرامة إلى ما يأتي:
1- تحطيم القدرات العسكريه الأردنية وزعزعة الثقة بنفسها بعد حرب حزيران عام 1967م
2- تدمير المقاومة الفلسطينية في الكرامة وعمل شريط حدودي فاصل بعيداً عن الأراضي الفلسطينية ، وضمان الهدوء على طول خط وقف إطلاق النار مع الأردن
3-المحافظة على الروح المعنوية للجيش الاسرائيلي ولمواطنيهم وذلك بسبب عدم تجانس التركيبة السكانية التي جاءت على شكل هجرات إلى أرض فلسطين
4- الأطماع الإسرائيلية بالمرتفعات الشرقية وبمناطق الأغوار لأنها غنية بالمصادر المائية والزراعية
فبمعركة الكرامه حطمت أحلامهم ومخططاتهم وحطمت أسطورة جيشهم الذي لا يُقهر ، فكان الانتصار وضاقت عليهم أرض الكرامة بما رُحبت ، فهاموا هلى وجوههم ضالين ممزقين مشتتين ، تاركين قتلاهم وجرحاهم ودباباتهم في أرض المعركة ، فأرض الأردن هي أرض الرباط والجهاد ، فهي أرض الرباط في سبيل الله ضمن بلاد الشام وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( بلاد الشام في رباط إلى يوم القيامة ) .
فسلامٌ على ثرى الكرامة الطاهر وسلامٌ على قائد وصانع الكرامة ، وسلامٌ على الشهداء من أبناء الجيش المصطفوي وأبناء فلسطين الأبرار الذين عطروا بدمائهم الزكية أرض الكرامة
وتعود الكرة الآن مرةً أخرى في صورة أعظم وأجلى وأبهى بتحطيم وقهر الجيش الصهيوني في السابع من تشرين أول عام2023م في معركة طوفان الأقصى على يد المجاهدين الأبطال في غزة العزة والصمود والشرف ، فاهتز كيانه الهش ، فجُنَّ جنونه وارتكب المجازر في المدنيين الأبرياء بحملات إبادة بشعة بمعاونة ومباركة محور الشر أمريكا ومن حالفها وتخاذل المتواطئين من أمة العرب ، وبهذه المعركة تعرى الكيان الصهيوني أمام العالم ، ليظهر وجهه الحقيقي القبيح ، لتهب شعوب العالم الحرة منددة بما يرتكبه من مجازر ، لما رأوه من دماء زكية سالت من نساء وأطفال وشيوخ وقطاع غزة الحبيب ، ، فكانت هذه الدماء الطاهرة هي المنارات التي أشعلت نور الحقيقة التي غطاها ظلام الباطل ، وستكون هذه الدماء مشاعل تضيء طريق التحرير إلى فلسطين كلها بإذن الله ، فرحم الله الشهداء وشافا الجرحى والمكلومين ، وما النصر إلا من عند الله العلي القدير على أيدي هؤلاء المجاهدين الذين حملوا أرواحم على أكفهم فداءاً للأقصى وفلسطين .
قال تعالى في سورة الأحزاب – الآية23 : { مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلً }
وقال تعالى في سورة آل عمران – الآية 169 : {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ }
صخر محمد حسين العزه
عمان – الأردن
21/3/2024
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق