إن للــظــالــم جــولــة
بقلم : صخر محمد حسين العزة
منذ بداية نشأة الأمم عبر التاريخ ، كان لا بد أن يكون لها حاكماً يقودها ويدبر أمورها وشؤونها ، ولكن بعض هؤلاء الحكام قد تأخذه العزة بالإثم ، وينسى أنه موكلٌ من الله العلي القدير لإدارة شؤون شعبه بالعدل والإحسان ، فتدفعه مصالحه الشخصية لأن يتحول إلى طاغية يتجبر بالعباد ، ويضفي بعضهم على نفسه صفة القداسة ، ويذكرنا التاريخ بفرعون وهولاكو وفي عصرنا الحالي مثل هتلر وستالين وموسوليني وفي عالمنا العربي كالرئيس التونسي علي زين العابدين وحافظ الأسد وإبنه بشار الأسد ، والطاغية هو من يراقب سلوكيات الناس ويطمس حياتهم ، ويحبس أنفاسهم ،ويُعدُّ حركاتهم وسكناتهم ، ولا يريد منهم أن يخرجوا عن طوعه إن كان صواباً أو خطأً ومن يعارضه يكون مصيره السجن أو القتل ، ولكن هؤلاء مهما طغوا وتجبروا لا بد أن تكون لهم نهاية محتومة بفعل إرادة شعوبهم ، وهؤلاء الطغاة وأخص بالذكر بعض حكام أمتنا الذين طغوا وتجبروا بشعوبهم وتناسوا أنهم مسؤولون أمام الله ، ولو ساروا على قاعدة سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم لكل حاكمٍ ومسؤولٍ عن رعيته لما طغوا وتجبروا وهذه القاعدة الربانية هي عقدٌ ربانيٌ مع الحاكم لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وهذه القاعدة موضحة بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( كلكم راعٍ ، وكلكم مسئول عن رعيته ) وهذا المبدأ سار عليه الخلفاء الراشدون والتزم به من بعدهم كل الحكام المسلمين من السلف الصالح منهم ، ولكن ما أن حاد حكامها وسلاطينها عنها وعن فهمها حتى شطوا وتعسفوا وطغوا ، مُتجاهلين حقوق شعوبهم ، وقمعوا الحريات بالحديد والنار ، ونسوا أن قوة الضغط ستولد الإنفجار لتسحقهم ولو بعد حين ، ونقول لهؤلاء المتجبرين أن دوام الحال من المُحال ، والله يُمهِل ولا يُهمِل ، وكما قال الشاعر أبو القاسم الشابي :
أَلا أَيُّــهـا الظـَّالـمُ الـمستبـدُّ حَـبيـبُ الـظَّلامِ عَـدوُّ الـحيَـاهْ
سَخرْتَ بأَنَّاتِ شَعْبٍ ضَعيفٍ وكَـفُّـكَ مـخـضـوبَـةٌ من دمَـاهْ
وسِرْتَ تُشَوِّهُ سِحْرَ الـوُجُودِ وتـبـذُرُ شـوكَ الأَسـى في رُبَـاهْ
رُوَيْـدَكَ لا يـخـدعـنْك الـرَّبيعُ وصحوُ الفضاءِ وضوءُ الصَّباحْ
ففي الأُفُق الرَّحْبِ هولُ الظَّلامِ وقصفُ الرُّعُودِ وعَصْفُ الرَّياحْ
حَـذارِ فَـتَـحْـتَ الـرَّمادِ اللَّـهيبُ ومَـنْ يـبـذُرِ الشَّوكَ يَجْنِ الجراحْ
تـأَمَّـلْ هـــنـالِـكَ أَنَّـى حَـصَـدْتَ رؤوسَ الــوَرَى وزهــورَ الأَمـلْ
وَرَوَّيْـتَ بـالـدَّمِ قَـلْـبَ الـتـُّـرابِ وأَشْـربـتـَهُ الـدَّمـعَ حـتَّـى ثَـمِـلْ
سيجـرُفُكَ السَّيْـلُ سَيْـلُ الـدِّماءِ ويـأْكُـلُكَ الـعَـاصِـفُ الـمشتَعـِـلْ
أكتب مقالي هذا إحتفاءاً ومؤزارة لأبناء سوريا الحبيبة لتخلصهم من طاغية من طغاة هذا العصر الذين ارتكبوا أبشع المجازر ضد أبناء شعبهم متمثلة بعائلة الأسد الذين حكموا سوريا منذ عام 1971م بدأءاً من حافظ الأسد الذي كان رئيساً للجمهورية ودام حكمه تسع وعشرين سنه إلى حين وفاته وكان ساعده الأيمن المجرم رفعت الأسد ( سفاح حماه ) ومن بعده إستلم الحكم إبنه بشار الذي غيَّرَ الدستور ليكون على مقاسه ليكمل مسيرة والده الدموية ضد الشعب المظلوم ، ونسي أن الظلم لا يدوم ( فللظلم جولة وللحق جولات ، وعلى الباغي تدور الدوائر ، ولن ينسى الشعب السوري أبشع المجازر التي ارتكبت في في حقه كمجزرة مدينة حماة عام 1982م التي ذهب فيها من الأرواح ما يُقارب أربعين ألف ضحية بعد حصارٍ دام سبعة وعشرون يوماً إرتكبت فيه سرايا الدفاع التي كان يقودها شقيق حافظ الأسد – رفعت الأسد أبشع المجازر بحقِّ أبناء المدينة التي كان يقودها شقيق حافظ الأسد رفعت الأسد ، وكذلك مجزرة سجن تدمر التي ارتكبت بحق السجناء من مختلف فئاتهم سياسية أو اجتماعية وذهب فيها ما يقارب ألف سجين ، وتعود وتتكرر المذابح في سوريا بتاريخ الثامن من كانون أول عام 2011م مع بدء الثورة السورية على نظام الطغيان حتى تاريخ الثامن من كانون الأول عام 2024م ، وكان ذلك بالتعاون مع فئات مأجورة ليس لها علاقة أو صلة بشعب سوريا الأبي فعاثوا قتلاً وتدميراً وحرقاً واغتصاباً هم وأعوان النظام ، فبعد إثنين وخمسين عاماً من الطُغيان والإجرام وبعد ثلاثة عشر عاماً من القتل وارتكاب المجازر وتهجير الأحرار من أبناء سوريا العزيزة على قلوب كل عربي ، كان من حقِّ بلد الأمويين أن يروا بزوغ فجر صباح الثامن من كانون أول عام 2024م ليكون فجراً استثنائياً بدأت تلوح فيه تباشير النصر والتحرير بدءاً من حلب الشهباء إلى حماة العز والفخر ومن ثم إلى حمص وانتهاءاً بدمشق عاصمة الأمويين والبلد التي كانت تنطلق منها الفتوحات الإسلامية فيها صفحات المجد والفخار لأمة الإسلام وبدخول دمشق انطوت حقبة مظلمة من تاريخ سوريا لتشرق فيها أنوار الحرية على أبناء الشام الغر الميامين ، لأنه شعبٌ حي يريد الحياة والحرية والعيش بكرامة ، فصبروا على الضيم والظلم ، وكان جزاء صبرهم نصراً من الله ، وتحقق النصر ، وكما قال الشاعر أبو القاسم الشابي :
إذا الشعب يوماً أراد الحياة فلا بُدَّ أن يستجيب القدر
ولا بــد لـلـيـل أن يـنـجـلي ولا بُـدَّ للـقـيد أنْ يـنكسر
وختاماً أوجه رسالتي لأحبائنا في سوريا العز والكرامة ؛ كونوا كأسنان المشط متوحدين مُتراصين كالبُنيان المرصوص بكل أطيافكم ومللكم وتناسوا الأحقاد فيما بينكم ، وابتعدوا عن فتنة الطائفية المقيتة التي تمزق الأوطان من أجل بناء وطنكم الغالي ، وعودوا إلى قول الله عزَّ وجل في سورة آل عمران – الآية103 : {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ، وَاذْكُرُوا نِعْمَة اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا} ، فالشام هي أمل الأمة العربية والإسلامية وأنتم من ذكركم رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال : ( اللهم بارك بشامنا وبيمننا ) ، ونأمل من الله أن يكون هؤلاء المقاتلون الذين حرروا سوريا وشعبها من نير وظلم هذا النظام أن يكونوا على قدر المسؤولية ، وأن تكون أفعالهم مصداقاً لأقوالهم ، وليسوا تابعين لأي أجندات أجنبية تُخفي ما تُضمر من أجل تفتيت أمتنا ، وأن يراعوا مخافة الله في حكمهم ، وأن يبعدوا عن أنفسهم فكرة الإنتقام لما حصل معهم ومع أهاليهم في ظل الحكم البائد ، وأن يتذكروا ما قام به رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما فتح مكة بعد غياب عنها دام عشر سنوات ، وكان محارباً من كفار قريش ، فعندما عاد أمَّنهم على أنفسهم وأموالهم وقال لهم : ( إذهبوا فأنتم الطُلقاء ) وتذكروا أن نصركم هذا ما كان له أن يتحقق إلا بتوفيقٍ من الله عزَّ وجلْ لشعب سوريا المكلوم والمظلوم فاقتص بأيديكم من حكم الطغاة ، قال تعالى في سورة آل عمران – الآية 160 :{إِنْ يَنْصُرْكُمْ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِه } ، لأن الحق غالب مهما أرجف الطاغوت وأن دين الله غالب وأمر الله غالب ، ووعد الله غالب وأن الله لا ينصر إلا من ينصره ، قال تعالى في سورة محمد – الآية 7 : { إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ } فتحقق لكم النصر بإذنه قال تعالى في سورة الروم – الآية 47 : {وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ}
صخر محمد حسين العزة
عمان – الأردن
9/12/2024
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق