الأربعاء، 13 نوفمبر 2024

مجلة وجدانيات الادابية (( الكاتب مصطفى الحاج حسين ))(( قصة باثور رئيس المخفر ))

 ** مصطفى الحاج حسين. 


       قصة: ((باثور رئيس المخفر)).. 


في صباحٍ مشمسٍ، وبينما كان رئيس المخفر، (أبو رشيد) يجلس على كرسيه، فوق المصطبة، عند باب المخفر، حيث كان يدخن، ويتلهى بمراقبة القرية القريبة، عبر منظاره الجديد، وإذ به يلمح رجلاً قوياً يتّجه إلى العراء، وحين ابتعد عن الأنظار، تلفت يمنية ويسرة، ثمّ رفع (كلابيته) على عجلٍ، قرفص، وخلال دقيقة تناول من قربه حصوة، مسّح بها ثمّ نهض.


استرعى هذا المنظر، اهتمام رئيس المخفر وفضوله، فصرخ على الفور ينادي (الرقيب خليل)، ولمّا خرج إليه (خليل)، أمره قائلاً:


– اذهب إلى هناك.


وأشار بيده صوب القرية، ناحية القروي:


– أحضر ذاك البدوي بسرعة.


امتطى (الرّقيب خليل) حصانه، وانطلق صوب القرية مسرعاً.


كان الرجل القروي، قد اقترب من قباب القرية، حين ناداه الرقيب:


– قف.. عندك.. لا تتحرك.


انبعثت رعشة عنيفة في أعماق القروي، تلعثمت كلماته:


– خير يا وجه الخير !!.. ماذا تريد؟!.


– امشِ قدامي إلى المخفر.. هيّا تحرك.


تضاعف الخوف في أعماق القروي، وأراد أن يستفسر:


– ولكن لماذا يا وجه الخير.. أنا لم أفعل شيئاً؟!.


صاح (الرقيب خليل) من فوق حصانه، الذي لم ينقطع لهاثه، بعد:


– تحرّك يا كلب.. قسماً سأنزل وأدوسك بحذائي.


– لكن يا سيدي…


لم يتركه يكمل كلامه، فقد اقترب منه، وهوى عليه بسوطه.. صارخاً:


– تحرّك.


كان القروي يتعثّر بخطواته بين الفلاة، والرقيب من فوق حصانه، يحثّه مرّة على العجلة، ويسوطه مرّة أخرى.


اقترب من رئيس المخفر، فتطلّع الرجل إلى (أبي رشيد) بهلع، بينما كانت مفاصله ترتعش.. رمقه رئيس المخفر بنظرة صارمة، ونهض:


– الحق بي إلى مكتبي.


حين أغلق رئيس المخفر الباب على الرجل، المرتعد الفرائض، أيقن أن جريمة فظيعة، سوف تنسب إليه.


غير أن رئيس المخفر، نظر إليه وابتسامة لزوجة ارتسمت تحت شاربيه:


– ما اسمك؟.


– أنا يا سيدي.. اسمي.. (خميس) أبو حسين.


– أريدك يا أبا حسين، أن تحدّثني بصراحة.


واندفع (خميس) ليقسم لرئيس المخفر، وكان الخوف قد بلغ ذروته:


– أنا والله لم أفعل شيئاً.


ابتسم رئيس المخفر  أدرك أنه رجل ذو هيبة، يخافه الجميع:


– لقد شاهدتك وأنت تقرفص (وتفعلها) بسرعة.


علت الدّهشة وجه (خميس) همس كمن يقر بذنبه:


– نعم.. فعلتها.. لماذا أكذب؟!.. ولكنني لم أكن أعرف أن هذا ممنوع.


صرخ رئيس المخفر:


– اسمعني يا غبي.. لا تقاطعني.. الحكومة لا تمنع مثل هذه الأمور، لأنها لا تعتبر من الأعمال السياسية.


ثم استدرك محاولا شرح الموقف، للمواطن (خميس)، الذي لم يزايله الخوف حتى الآن:


– أنت – فعلتها – بسرعة، وأنا أمضي أكثر من ساعة في المرحاض، أريدك أن تساعدني حتى أستطيع أن – أعملها – مثلك، بعجلة.. أنت لا تعرف كم أنا أعاني وأتعذّب كلّ يوم.


بعد جهدٍ استطاع المدعو (خميس) أن يفهم مايريده منه رئيس المخفر، ولأول مرّه يزايله خوفه، ويتجرأ ويرسم على شفتيه اليابستين شبه ابتسامة:


– أمن أجل هذا أرسلت في طلبي؟!. 


– نعم.


– بسيطة.. يا سيادة رئيس المخفر..

القضية في غاية السّهولة.


وهنا استبشر رئيس المخفر، خيراً، فهتف بفرحة:


– كيف؟؟؟؟؟.. قل لي.. أرجوك.. فأنا أتعذّب.. وأضيّع معظم وقتي داخل المرحاض.


تضاعف شعور (خميس) بثقته بنفسه، فها هي الحكومة بكلّ جبروتها وعظمتها وهيبتها، تلجأ إليه وتستشيره، في قضية على غاية من الأهمية.. لذلك أجاب:


– أنا يا سيدي.. عندما أتضايق، أحاول أن أؤجلها.. وكلما تضايقت أضغط على نفسي، حتى – أحمّصها –، وعندها أهرع إلى البريّة، وخلال دقيقة أكون قد انتهيت.


ابتسم رئيس المخفر.. شعر بالراحة والسعادة، أخيراً سيضع حداً لهذا العذاب المضني، وأقسم في أعماقه

أن يكافئ (خميس) إن نجحت وصفته هذه:


– إذاً عليّ أن – أحمّصها –، أليس كذلك؟.


– نعم سيدي.


في اليوم التالي، رفض رئيس المخفر أن يدخل دورة المياه، قبل أن يغادر ببته. توجه إلى المخفر، وهو يشعر بالضيق بعض الشيء، لكنه سينفذ ما يطلبه منه (خميس)، – سيحمّصها –.


وحين دخل إلى مكتبه، استدعى كافة عناصره، كعادته، ليشربوا الشاي.. لكنه سرعان مابدأ يتململ في قعدته، فوق كرسيه، ومع هذا كان يردد بداخله:


– ليس الآن.. عليّ أن أنتظر، حتى – أحمّصها – ،(خميس) قال لي هذا.


مضى كثير من الوقت، وهو يثرثر مع عناصره، محاولاً كبح مؤخرته، عن الانفجار.


أخيراً، شعر بمغصٍ شديد، مغص لا يقاوم، كأنه الطّلق.. نهض عن كرسيه، حاول أن يتجاوز كراسي عناصره بسرعة، لكنّ صمام الأمان أفلت منه، فها هو وقبل أن يفتح الباب يفرقع بقوة، كانت (ضرطته) بقوّة انفجار قنبلة.. أحسّ بالخجل الشديد، لم يلتفت صوب عناصره، الذين تغامزوا، وضحكوا بعد خروجه.


وفي الممرّ.. ممر المخفر الطويل، وقبل أن يصل إلى بيت – الخلاء – حدث ما لم يكن في الحسبان، لقد – فعلها – في (بنطاله).. يا للعار.


أقسم أنه – سيفعلها – في فم

(خميس)، حلف أنه –سيخصيه –، سيدْق رأسه، سيرميه في الزنزانة،

وسيجعله عبرة لكلّ الناس.


وبعد أن غير بذّته العسكريّة، رمق عناصره بنظرات حادة وصارمة، أخرست ضحكاتهم المكتومة، أمر

الجميع، بإحضار المجرم (خميس).


خرجت كوكبة من رجال الشّرطة، هرعوا إلى الإسطبل الملاصق للمخفر

امتطوا جيادهم بسرعة، لكزوا الخيول، فانطلقت تحمحم باتجاه القرية.


حاصروا بيت المدعو (خميس)، صاحب النصائح الكاذبة ، المخادعة، داهم (الرّقيب خليل)، وبعض العناصر، القبّة الكبيرة، انطلقت صرخة ذعر من امرأة، كانت تغتسل عند العتبة، حاولت أن تستر عريها، لكنّ (الرقيب خليل) الذي حاول أن يتراجع، كان يحدِّقُ بانشداه تام، إلى هذا الجسد العاري المثير، والذي تفوح منه رائحة الصابون، وبخار الماء السّاخن.. وتحيّرت عيناه أين ستركزان النطر، على النهدين الصاعقين، أم على الفخذين المكتنزين.


صاحت المرأة، لتوقظه من دهشته، اشتعال شهوته:


– ماذا تريدون؟!.


زأر (الرقيب خليل)، المتأجج بشهوته:


– نريد.. المجرم (خميس).


صاحت وهي تحمي نفسها، بثوبها:


– هل صار زوجي (خميس) مجرماً.. ماذا فعل؟!.


ثم أردفت:


– هو ليس هنا.. غير موجود.. نزل إلى حلب.


مدّ (الرقيب خليل) رأسه أكثر، ليستجلي المكان بدقة، وكانت نظراته تنهشان الجسد العاري، رغم تستر المنطقة المهمة بالنسبة له، واستطاع رفاقه أن يدلفوا جميعهم ودفعة واحدة، إلى القبة الطينية، تسبهم شهواتهم المتقدة بقوة.


فصرخ (الرقيب) بوجه المرأة، ليطيل الوقت أكثر:


– إذاً فعلها زوجك (خميس) وهرب

.. ولكني سأجده ،وحق المصحف.. سأجده.. لن أتركه يفلت منّي.


شعرت المرأة بذعر شديد.. وكانت قد نسيت ما عليها من عريّ.. سألت:


– ماذا فعل (خميس).. أخبروني؟!.


– المجرم خدع رئيس المخفر.. وهرب.


عندما عاد عناصر الشرطة، بقيادة الرّقيب، إلى المخفر، وكان قائدهم بانتظارهم مصطحبين معهم غريمه القروي، ثار عليهم وراح يوبخهم، لأنهم عادوا من دون (خميس)، مبالغاً بغضبه، لكي يواري خجله منهم، ولأنه لم يعد يطيق أية نظرة توجه إليه، من أحد عناصره، فقد عاد وأمرهم أن يخرجوا إلى الطريق وينصبوا كميناً، بانتظار (خميس) وأقسم لهم بأنه سيعاقبهم إن لم يستطيعوا القبض عليه اليوم.


حين وصل (خميس) مكبلاً، مدمى الوجه، وممزق الجسد، وكان هو الآخر قد – فعلها – من شدّة خوفه وهول ما تلقاه من ضرب مبرح، حين قبضوا عليه ،بعد أن نزل من السيارة العائدة من حلب.


ولمّا صرخ رئيس المخفر بوجهه الشديد الشحوب:


– أتضحك عليّ يا صعلوك؟!.


ردّ بصوت منكسر، فيه من الخوف والرّجاء الشّيء الكثير:


– ولكن يا سيّدي.. أرجوك أن تدعني أشاهد (البنطال).


استغرب رئيس المخفر طلبه هذا، لكن (خميس) أصرّ وكرر رجاءه.. بإحضار (البنطال).


فأمرّ رئيس المخفر عناصره، و على مضض منه، بإحضار (البنطال) فوراً.


وحين أمسك (خميس) بالبنطال المبلول، والكره الرائحة، نظر إليه ملياً.. قربه منه.. تفحصه بشدة، تشمّمه.. وعاود الشمّ، ثمّ مدّ أصبعه، وأخذ من (البنطال) عيّنة، ورئيس المخفر وعناصره، يراقبونه،باندهاش وحيرة، ثم فاجأهم (خميس) حين وضع أصبعه وما عليها من براز، في فمه، حيث لحس أصبعه، تذوق ما كان عليها، ثم التفت إلى رئيس المخفر، وقال:


– أنا قلت لك يا سيّدي، أن – تحمّصها – ولكنّك يا سيّدي.. أنت للأسف الشّديد، قد أحرقتها، وهذا ليس ذنبي.


           مصطفى الحاج حسين.

                      حلب






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق