الثلاثاء، 2 يوليو 2024

مجلة وجدانيات الأدبية (( الفضاء المفتوح )) قصة قصيرة بقلم الكاتبة / ليلى عبدلاوي / المغرب




ليلى عبدلاوي (المغرب)
الفضاء المفتوح(قصة قصيرة)
بنظرة خاطفة تفقدت سعاد الوقت على شاشة هاتفها،هاهو موعد الرحلة يقترب، تشعر أنها قلقة و توترها يتزايد.
ارتدت ملابسها على عجل،مررت المشط على شعرها،تزينت قليلا،ابتسمت لصورتها في المرآة وهي تستحضر تأفف والدتها من خصلاتها المصبوغة،نثرت رشات من زجاجة العطر على أطراف جسدها في سخاء.
أطلت من النافذة،ظلال العتمة تزحف ببطء على جنبات الحي،اجتهدت في أن تغادر البيت على أطراف أصابعها.
وهي في طريقها إلى الباب دمعت عيناها حين لمحت والدتها منهمكة كاالعادة في إعداد وجبة العشاء استعدادا لعودة والدها من المسجد.
مسحت الدمعة وبحذر شديد،سحبت الحقيبة من وراء الباب حيث كانت قد خبأتها بعيدا عن الأعين،عجبا! تبدو أثقل مما كانت تتصور.
هبطت السلم بخطى بطيئة ودقات قلبها تتسارع.
سمعت صوتا خفيا يتصاعد من داخلها:
"ماذا تفعلين يا حمقاء؟أواثقة أنت أنك لن تندمي؟"
صمٌت أذنيها عن الصوت،لوحت بيدها إلى سيارة أجرة قادمة من بعيد:
-المطار من فضلك!
تعمدت ألا تلتفت التفاتة وداع واحدة لهذا الحي العتيق الذي ولدت وترعررت فيه ولهت في دروبه لسنوات.
نظرات السائق المتكررة إليها من المرآة العاكسة وهو يتمايل على إيقاع أغنية شعبية رخيصة تثير أعصابها وتزيد من حدة توترها.
وهي في المطار، شعرت أن صفوف المسافرين طويلة جدا وأن ملامحهم جامدة،قاسية.
وهي تقترب من مكان تسجيل الحقائب،سمعت دقات قلبها تتسارع وتدق بشدة،لم تكن تعرف عن بروتوكولات المطارات شيئا لكن لا بأس،ستتصرف كما ترى الآخرين يتصرفون.
هدأت قليلا،الكل منشغل بأمتعته ووثائقه ولا أحد يلتفت إلى وجودها أساسا.
مرقت من بوابة الدخول،ها هو السؤال المؤرق يلح من جديد :
"ماذا لو أترك هذه الحقيبة الثقيلة هاهنا وأعود أدراجي الى بيتنا قبل فوات الأوان؟"
طأطأت برأسها،تخيلت السيناريو الذي ينتظرها هناك،والدها سيشبعها ضربا مبرحا،ستسجن لأيام لايعلم عددها إلا الله،ستبكي ماشاء الله لها أن تبكي،لكنها على الأقل ستنعم بالأمان.
أحست بسكين حاد يمزق أحشاءها:
-"عن أي أمان تتحدثين يا بلهاء؟
وضعت يدها على بطنها،تحركت أحشاؤها كما تحرك الجرح في ثنايا قلبها،دمعت عيناها،تساءلت إلى متى ستستمر هذه الملابس الفضفاضة وهذا المنديل الطويل في إخفاء المستور؟
الصوت الانثوي يتردد عاليا في جنبات المبنى العريض:
-نرجو من السادة المسافرين إلى اسطنبول الولوج عبر بوابة الإركاب رقم ثمانية.
غصت بريقها،هاقد آن الأوان.
نظرت إلى البوابة الزجاجية العريضة،رأت فيها مدخلا إلى عالم مجهول لكنه حر،يناديها،ينتشلها من حياة الذل والعار التي تنتظرها لو هي فضلت البقاء في الديار.
حركة الإقلاع تصيبها بالدوار،عيناها وجلتان لاتكادان تستقران على مكان،تقضم أظافرها بإصرار،يعلو حديث الركاب.
بجوارها يجلس رجل عجوز تجاهلهابقوة،يصر على تأمل كثبان الغيوم من النافذة،تمنت لووافاها الحظ وجلست في مكانه لتلقي بهواجسها إلى الفضاء المفتوح.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق