الأحد، 26 مايو 2024

مجلة وجدانيات الأدبية (( الاستعباد الرقمي الجديد )) بقلم الكاتبة / حنان قذامة



الاستعباد الرّقمي الجديد
أنا سمكة كبسوا ...،أنا قطّة كبسوا...،أنا ...أنا... ترى من أنا ؟ هل أنا ـ اليوم ـ إنسان رقمي تغيرت سمات هوّيته الثقافية ؟ هل أنا إنسان افتقد جوهر حرّيته وقيّدته أصفاد عبودية رقمية ؟
أغلب دارسي السلوك البشري وجلّ المختصّين أجابوا بالإيجاب وتوقّعوا ذلك في ظل متغيّرات ثورة تكنولوجية جعلت الرّشاد يفارق سلوكات الكثير من النّاس .
العبودية الجديدة التي تكبّل الإنسان الرقمي تختلف كلّيا عن العبودية القديمة ، هي عبودية اختيارية ،طوعية ،ناعمة تأسر شرانقها عقل الإنسان وفكره ،ويستعذب شعوره سياطها الرقيقة، يتحوّل فيها السيّد من إنسان إلى آلة ...إلى هاتف ذكي أغبى تواصلنا الحميمي، أغبى وجودنا،هاتف ذكي لم نعد ننظر إليه كموجود من الموجودات بل صار عند الكثيرين ــ خصوصا الشباب والمراهقين ــ كلّ الوجود وعينه، كأننا خلقنا والهاتف في أيدينا ،نلقي عليه تحيّة الصباح عند صحونا ونستودعه الله الذي لا تضيع ودائعه عند مرقدنا ،الحال الذي عجّل بظهور أعراض اضطراب "النّوموفوبيا " أو قلق الهاتف الذي يعتري الكثير عند انقطاع الاتّصال بشبكة الإنترنيت .
الملاحظ أنّ الاستعباد الّرقمي الجديد قد أحكم قبضته على السّلوك البشري مما ساهم في ظاهرة الانسحاب من العلاقات الاجتماعية كما نتج عنه تآكل الرّوابط الأسرية وضمور مهارة التواصل مع الآخر صحيح قد نكون مجتمعين لكن لوحدنا مع ذواتنا ، يتسلّل إلى البعض منا الشّعور بالاغتراب، نخرس و تتعطل لغة الكلام لننشغل بتفقّد الإشعارات والّرسائل والتّعليقات
من بين مظاهر العبودية الجديدة تحكّم الصّورة الرّقمية في الفعل البشري التي تدفع سطوتها البعض إلى التجّرد من إنسانيته ، ينشغل بتصويروتوثيق حدث مؤلم عوض إسعاف الناس ومساعدتهم إرضاء لنفس نرجسية متبلّدة باحثة عن الترند.هذا الأخير أذكت لهيبه ظاهرة التّصوير الذاتي "السيلفي "الذي رصدت عالمة النفس الفرنسية "إلزاغودار" تأثيره السّلبي على المهووسين به في كتابها القيّم "أنا أوسيلفي إذن أنا موجود" فهو جعلنا لا نعيش لحظات الصورة ،كما أفرغ وظيفة الخيال لأنّنا صرنا نعرض عن التأمل في الصّور الحقيقية ،عن إشباع نظرنا منها، إذ كل ما يهمّنا هو الانشغال بتصوير الذات وانتظار رأي الآخرولايكات إعجابه
فنتج عن هذا الهوس ضعف ملكة الخيال ــ خصوصا لدى تلامذتناـــ التي تعجز عن استدعاء الصّور فالخيال يحفظ فقط ما تدركه حاسّة البصر لا ما تلتقطه عدسة الكاميرا
إنّ خضوع الكثير منا لإملاءات الضّغط الرّقمي أفقده جوهر الحرية...حرية النّقد البنّاء وحرية التّعليق الصّادق، فخوفا من انخفاض لايكات الإعجاب أصبح كل ما ينشر على الصّفحات من روائع الشعر والأدب ولو كان متهافتا ، وصرنا نحكم على جمال المنشورات تبعا لناشرها وليس لجمال مبناها ومعناها من بين أبرزالعوامل التي ساعد ت الاستعباد الورقي في نسج خيوط شرنقته الحريرية حول الإنسان ، الإغراءات المادّية التي تقدّمها بعض التّطبيقات الذكيةــ كتطبيق التيك توك ــ التي رغم بعض إيجابياتها فإنها تعج بسلوكيات تنمّرية سادية وبصور تنهش الكرامة الإنسانية ،تنادي المشاهد كبّسوا... كبّسوا..... فيكبس البعض وما يدري الكابس والمكبوس له أنّ بفعله ذاك ستكبس عليه سلاسل عبودية إلكترونية ناعمة. بقلم حنان قدامة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق