الجمعة، 10 ديسمبر 2021

((الحب الذي كان))............الأديب أ.د/ محمد موسى


القصة القصيرة
الحب الذي كان
فجأة أغلقت بيتها عليها ، لتكتشف لأول مرة أنها أصبحت وحيدة ، وبعد 40 سنة زواج فالأن هي وحيدة ، بعد أن رحل شريك حياتها وزارت عليه التراب ، الرجل الذي عرفت معه لأول مرة معنى الشوق للحبيب وإنتظار الرفيق ، الرجل الذي عَرفها على أنُوثتها التي كانت تخشى الإقتراب منها قبل زواجها ، فهكذا تربت على منطق العيب والحرام ، وأول شئ فعلته بعد أن أغلقت عليها البيت ، أن أسرعت الي صورته المعلقة ، وتزين المكان وقفت أمامها وأخذت تتذكر ، أول يومٍ دخل بيت أبيها يطلبها للزواج ، كانت لا تعرفه ولكنها لما رأته دق في صدرها قلبها بسرعة هل دقات خائفة أم عاشقة أو حتى متلهفه ، كان عمرها قد تعدى الثلاثين بأربعة سنوات ، ولم تتزوج بل ولم تدخل دنيا العشاق بعد ، كانت تعرف عن الحب كما يعرف الجائع الفقير عن الجميل من الطعام ، وفجأة وجدت نفسها أمام رجل ذات شكل ومركز إجتماعي رائع ، مثقف ومرتب في ثيابه وألوانه ، عمره يقترب من عمرها وقد تكبره هي بشهور ، لم يستغرق الأمر إلا أياماً وزُفت اليه ، كان أول شئ فعله معها يوم أن دخلت بيته عروس ، هو أن يصليا معاً لله شكراً وطلباً للبركة لهذا الزواج ، وبعد الصلاة جلسا معاً ولم يبدلا ثيابهما بعد ، ودار هذا الحوار منه لها ، قال نحن لم نمر بمرحلة حب وخطوبه كما نسمع في العادة ، لذلك لابد من الإتفاق على ثوابت في بداية حياتنا فأنا أرى أن الزواج بيننا هو شركة ، لكل منا له 50% من أسهمها ، ولكن حق الإدارة لي أنا وحدي ، أي في القرارات المصيرية لحياتنا نتناقش نعم ولكن بهدوء وفي النهاية يكون القرار لي أنا ، والغريب أنهما بسرعة أنهتفقا معاً بعد أن رأت هي أن حياتها تبدأ الأن مع رجل ليست من مفردات لغته الظلم ، إبتسمت له وبدأت حياتهما ، حقق لها ما تتمناه كل أنثى وأصبحت أماً ، وعاشت معه حياة مثل حياة كل الأسر المصرية والعربية ، وكبر الأبناء وتزوجا بعد أن تعلما أحسن تعليم وتقلد كل منهما مركزاً إجتماعياً مرموقاً ، وأنجبا وتعلما من أبيهما أن الظلم ظلمات ، والكريم هو من يكرم زوجته ، وكانت سعادته عندما يأتيا بأبنائهما كل أسبوع ليقضيا اليوم هما وزوجاتهما مع الأبوين ، ومضت الأيام ومرض الزوج فجمع أبناءه وأوصاهما على زوجته "أمهما" وأن يأخذها الإبن الأكبر لتعيش معه في فيلته ، والتى إشتراها له الأب ليتزوج فيها كما إشترى للإبن الأصغر أيضاً فيلا كأخوه وتزوج فيها ، حتى يتساويان وطلب منهما بعد أن يرحل أن يظل البيت مفتوح ، وإذا أرادت الأم العودة إلى البيت لا تترك وحدها ، بل يأتي أحدهما وأولاده وزوجته ليظلوا معها طالمة هي تريد البقاء في بيتها ، ورحل بلا ضجيج كما عاش معها بلا ضجيج ، وترك لهما ثروة بعد أن عاشوا في بحبوحة ، وفجأة بكت عندما كانت تتذكر حيث كان في السرير وقليل الحركة ، ، وتقول له أنا وحدي لماذا لا تأتي معي إلى النادي فهناك الرجال في نفس سنك مع زوجاتهم ، ويعتذر لها ويقول سعادتي أن أظل في السرير ، فتغضب في نفسها بدون أن تظهر له ، وتتصل بصديقة لها ويذهبا إلى النادي ، وكانت تظن أن بعد رحيله ستكون أكثر حرية في الدخول والخروج ، ولكن لا تعرف ما الذي حدث لها ، رحل هو ورحلت معه كل ما يربطها هي بالحياة ، أصبحت قليلة التحدث في التليفون بعد أن كان هو وسيلة إتصالها بالناس ، حتى النادي لم تعد تشتاق الذهاب إليه كما كانت قبلاً ، والأبناء يرجونها أن تأتي لتمكث مع أيهما ولو يومين ، إلا أنها كانت ترجوهما أن يتركونها وحدها ، فإذا قال أحدهما لها هذه وصية بابا كانت تقول بابا معي في كل مكان في البيت وهو يؤنس وحدتي ، ولا أريد البعد عنه وعن أنفاسه التي تتردد في البيت ، وظلت تقول لنفسها كم أنتَ وحشتني وأشتاق لصوتك ، حتى إني أشتاق لظلك ، لو أعلم أن برحيلك سوف ترحل الدنيا عني ، لتمنيت منك ألا ترحل قبل رحيلي ، ثم تستغفر الله ، وتواصل قراءة القرأن الكريم لتهب لروحه ما تقرأ ، تنظر إلى كتبه ومؤلفاته في مكتبه بالبيت ، وتجلس إلى مكتبه وتقول كم أتمنى وجودك الأن يا رجل كنت لي حياة ، يا طيب المعشر أسأل الله لكَ الجنه جزاءً لكَ حفظتني في حياتي معك كأمانة ، يا رجل قد عشت معك في مودة ورحمة وكأنه أعيش في الجنه.
ا.د/ محمد موسى


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق