- بنكهة الأبيض و الأسود .
بعد غروب الشمس يتغلغل ظلام الليل في كل تفاصيل الأرض بما حوت، لن يبقى بياض سِوى ما مسّه نور القمر ، فيتحول المشهد إلى الأبيض و الأسود، تختفي باقي الألوان، يتحول الجمال بكل مفاهيمه إلى مشهد آخر، و منظور آخر،تتأقلم معه عيوننا، و تتقبله عقولنا،و ما اختفى من ألوان تبصره المشاعر و الأحاسيس، بعض الجمال في سكون الليل، في روائحه الخاصة، في بعض الأصوات و النغمات العابرة، في سمو الرّوح و تحرر الخيال، و بعض الجمال في ذاك الرداء الأسود الذي يحجب ما يزعج البصر نهارا، كل المساحيق بمختلف ألوانها تنهار أمام جلال الليل و جبروته، و لن يبقى من الجمال سوى الأصل الصادق الذي تشكّله هالة أرواح ما يحيط بنا،و كأن الليل يقول لنا : بهرجة الألوان كاذبة، و كل المساحيق رخيصة مهما ارتفع ثمنها،ما دامت وضيفتها خداع البصر،فكل فرد يُنير محيطه حسب ما يمتلك من مصابيح ، وفق إمكانياته و مكانته الاجتماعية ، متحديا في ذلك سُلطة الليل رغم ضعفه أمام هذا الكائن العملاق، الذي يتلاشى ليمارس سلطته في مساحة أخرى من هذا الكون ، ليفسح المجال أمام إشراقة الشمس، التي تطمس بضيائها كل الفوارق،لتنطفئ تحت وَهج نورها كل المصابيح باختلاف قوتها و طاقتها، و كأنها تقول لنا : لا فرق عندي بين مصباح و آخر و لا بين شمعة و قنديل، استمتعوا بألوان مساحيقكم حتى يأتي الليل.
* الكاتب و الشاعر : علي علوي
2023-03-04
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق