الأمير الأسودمقطع من رواية أسطورة سنجابى للكاتبة تركية لوصيف /الجزائر
قمت على عجل ،ومشطت شعرى الجميل ،وجعلت منه جديلتين كأنهما سنبلتين ، وحملت حقيبتى على ظهرى ،وتبعت سنجابى ، سلك بى مسلكا كانت الجهة اليمنى مصفوفة بأشجار الأرز الباسقات ،وفى المنحدر أرى مياها قليلة تخبرنا بأننا سننتهى عند شلال ،فأدركت أننا باتجاه شلال كبير وساحر، ولكن أردت التأكد ، فسألت سنجابى : هل سأرى الشلال فعلا ؟
قال : نعم ،سترين الشلال ، ولكن كونى حذرة ،فالتيار سيجرفك بعيدا وستهلكين .
بالنسبة لى كانت مفاجأة أن أرى شلالا حقيقيا وسعدت جدا ،وكنت أردد فى داخلى : شلال ..سأرى الشلال
مشينا مسافة طويلة ،وتراءت لنا الغابة بعيدا فتوقفنا ، واستلقينا على جذع شجرة الأرز ، قلت لسنجابى :السياحة الجبلية لها سحر مختلف .
رد ممازحا :سحر الشلال رهيب ، أخشى عليك منه إن جعلك تفقدين صوابك ، وتستحمين تحت مياهه .
فراقتنى فكرة الإستحمام ، نظرت إليه بجد وقلت : سأستحم فعلا ، فأنا فتاة يجب أن أبقى على نظافتى .
تأملنى سنجابى تأمل ذئب جائع عندما يرى خروفا ، ورحت أغير موضوع الحديث ، قلت :حدثنى عن الصندوق ومايحتويه من أسرار غامضة .
قال : سنحتاج إلى الخاتم فى حينه ، فهو إشارة لأمر ما، أما الخريطة فهى تخص قلعة قديمة علينا أن نقتحمها ،وننجح فى ذلك .
أمضينا يوما ممتعا ، فسنجابى حدثنى كثيرا عن هواية الصيد لديه ، ولن يترك اليوم يمر دون أن يلقى بصنارته لإصطياد بعض السمكات الكبيرات ،وراح يحدثنى عن عظم نفع لحمها للعظام والأسنان ،وأنه لايجب الإكثار منها حتى لا نصاب بداء النقرس.وغادرنا الغابة لما حل الظلام الدامس ، كان سنجابى يتقدمنى وضوء المصباح الذى وضع كل منا على جبينه ، دليلنا للطريق ، كنت أتبعه بخطى حذرة مخافة السقوط من العلو الشاهق ،ونحن نقترب شيئا فشيئا من الجبل الكبير ، الضباب يخيم على المكان ،وبرودة شديدة تسربت إلى جسدينا ، كانت القلعة مخيفة تظهر كالشبح .
نصبنا خيمة حديثة قرب المكان وقضينا الليلة بها ونحن نستمتع بأغان قديمة من خلال المذياع ،ثم سألنى سنجابى : كيف وجدت المغامرة لحد اللحظة ؟
قلت : الأمر البسيط وبإمكان أى شخص فعل هذا و لم نتعرض لمكروه بعد.
قال : صدقت ،ثم أردف : لا أريد إضاعة الوقت ، علينا تحضير المتفجرات حالا كى نستعملها فى تفجير باب القلعة الرئيسى ،إذ ما يظهر منه سوى الجزء العلوى من جرّاء تراكم التراب عليه ،منذ زمن بعيد .
الحديث عن القلاع القديمة والكنوز ووجود الأميرات الجميلات وحفلات الرقص ،كل هذا جعلنى أرحل بجوارحى إلى هذا الزمن ،وأنا أراقص سنجابى وهو فى زي الأمير ، ولكن صوت المتفجرات أفزعنى ،فقمت مسرعة وغاضبة ،فوجدت سنجابى وقد أنهى أول مهمة بنجاح فى اقتحام القلعة القديمة ، وضوء الصبح قد اختلط بغبار ناتج عن فعل المتفجرات ، والضباب الكثيف الذى جعل الرؤية منعدمة والتنفس صعبا ،واهتديت إلى الصراخ لعلي أسمع صوته فأطمئن عليه وأرتاح ، عدت سريعا إلى الخيمة وأنا أبحث عن مصباحى وضعته على جبينى ،ورحت أبحث عن المفجر اللعين ، وجدته قابعا فى مكانه ، وكان ملطخا بالحمم ، نظر إلي نظرة من يتسول الشفقة عليه ،لحظة صمت ..أعقبتها ضحكات متتاليات ، ثم رأيته يبرر لى بأنه تحمل الحمم كى لايشركنى معه فى عملية التفجير ،وأتلطخ مثله ، فيقل جمالى .
قال : أريدك جميلة ومبتسمة ، وفقط.
انتظرنا طويلا حتى تبيّن لنا الخيط الأبيض من الأسود ، وظهرت لنا القلعة شاهقة كثيرة النوافذ ، ويعلوها رأس سنجاب واضح ،قلت : سنجابى ، هل ترى ما أرى ؟
أجاب :نحن فى المكان الصحيح ، فحمدا لله .
أعددنا عدتنا كالعادة ،واقتربنا من المدخل بحذر شديد، إنه سرداب عميق ومظلم ،وعلينا إضاءة المكان تدريجيا بالمشاعل ،وأنا أتقدمه فى هذه المهمة التى أوكلها إلي.
انتهينا إلى مفترق الطرق ،وتملكتنا الحيرة الشديدة ،إى مسلك سنسلكه فى هذه الحالة ، قال سنجابى : توتو ، وظفى حدسك فى هذه اللحظة حتى نهتدي إلى المسلك الصحيح ، فعلت فإذا بى أسمع أنينا ، فقلت : من هذه الناحية ، تتبعت مصدر الأنين وسنجابى يتبعنى وأحيانا يلتفت خلفه ،قلت : هيا تشجع ودعنا نصل إلى نهاية المسلك الصحيح فنحن فى ورطة حقيقية .
قال :هل فقدت حدسك أم ماذا ؟
هل أضعت مصدر الأنين ؟
قلت : لا ، إنه يتوضح كلما اقتربنا ..
قال : فحمدا لله.
انتهينا إلى غرفة بدت لنا كزنزانة منفردة ، إضاءة هذا المكان كانت مهمة سنجابى ،رأينا شابا يقاربنا فى العمر ،مقيدا بالأغلال ، اقتربنا منه فإذا هو لا يزال على قيد الحياة ،سألناه: من أنت ؟من فعل بك هذا ؟هل ترغب فى المساعدة ؟ أجبنا ؟كيف أتيت إلى هنا ؟
كان يجيبنا بكلمات لم نفهمها ، قلت : إنه ليس من زمننا ، كل شيء فيه يؤكد هذا لغته ، هيئته ، هندامه .
ابتعد سنجابى وأخرج مسدسا ، أطلق النار صوب القيد فانكسر وتحرّر الشاب ،ولكن وجدناه يهاجمنا بعنف شديد ،كان يشبه الفهد الأسود فى وثباته ، عراكنا معه أفقدنا طاقتنا ،حتى استعان سنجابى مجددا بالسلاح، وأطلق عليه رصاصة اخترقت ساعده ، فانزوى أخيرا لشدّة ألمه ،ووضع يده على الجرح ،ونظر إلى سنجابى بغضب .تلك النظرة أربكتنا وأعقبتها لحظات من الهدوء ممزوجة بأنين الألم جراء عمق الجرح ،الذى تسبب فيه اختراق الرصاصة لساعده ،كان علينا فك هذا اللغز المبهم .
جمعت كل المؤشرات لتحديد زمان ومكان الشاب المجهول انطلاقا من وجوده فى القلعة ،وهندامه وشجاعته ،ولغته الغامضة ،قمت برسم أحصنة يركبها فرسان على جدار الزنزانة ، رأيته يسترق النظر لما أفعل، كان يتابع بإهتمام بليغ ..فقام مثقل الخطوات وأخذ منى قطعة الطبشور وواصل الرسم ..
كان يتحدث عن إغارة شرسة لقلعة ما ..
تبيّن ذلك من كثرة الرؤوس المقطوعة والمعلقة والجثث العفنة والمترامية فى أخدود الوادى ،وختمها برسم تاج مرصع ، وأشار إلى نفسه منتظرا ردة فعلنا ..كان يقصد أنه الأمير بلا شك ،انحنينا إجلالا واحتراما لسمو الأمير الأسود ،فسعد لذلك ،واقترب منا ،وضمّنا إليه ،فتصافحنا بعدها .
قلت لسنجابى : الآن وقد اتضح الأمر ،علينا بمداواة جرحه ،فقد صار صديقنا ،أحضر عدة الأدوية وباشر العملية حالا .
إخراج الرصاصة لم يكن بالمهمة السهلة ،ولكن صمود الشاب الأسود ، وصبره على الآلام جعل سنجابى ينجح ،بعدها راح الأمير يتجول بنا داخل الدهاليز ، وثلاثتنا نحمل المشاعل ..ونعطس جراء الغبار الملوث ،الذى أعاق تنفسنا نوعا ما .
دخل بنا إلى غرفة واسعة فى تقديرى هى بلاط المملكة أين يستقبل الوفود الزائرة ، تفحصنا المكان لم نجد شيئا ..بعدها رفعت بصرى نحو الأعلى فتبيّن لى شيء معلق ، فأشرت إلى الأعلى ، رفع الأمير بصره وصاح ، ثم بدأ يقذف الكلمات بسرعة ويشير إلى الشيء المعلق
يتبع ..مع تحيات الكاتبة لوصيف تركية /الجزائر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق