خاطرة عن الهجرة
(نويت الرحيل)
إني قد نويت الرحيل..
بل، قد عزمت على الرحيل..
فلا أحد يدلي بلوه..
(نويت الرحيل)
إني قد نويت الرحيل..
بل، قد عزمت على الرحيل..
فلا أحد يدلي بلوه..
ولا أحد عليّ يعترض..
فلن أسمع كلام أحد..
ولن آخذ برأي أحد..
ضاقت عليّ نفسي..وضقت بها..
وضقت بكل شيء..
فلم أجد منكم أي سند..
ولم أر أي عون أو مدد..
حتى انهار في داخلي كل عمد..
وسقط من خيمتي كل وتد..
هكذا حدثته نفسه، بل، سوّلت له..
وتمادى وعاند..
وأصرّ، وأقسم بالله الواحد الأحد..
فطار يحلم بتحقيق الأماني..
وبأموال وكنوز، وكل نفيس وغال..
ومنّى النفس بالجاه وكل المعالي..
مضت أيام وشهور وسنون...
أنسته أرضاً ووطنا، وكل عزيز وغال
لم يعد يرى إلا بريقا يتناثرهنا وهناك..
وفي كل سهل وجبل..
فيغذّ إليه الخطى..
ويناطح السحاب، وكل ما هو عال..
يجمع الثروات؛ ليصل ذرا المعالي..
ومضى العمر..وزاد الغنى والثراء..
وتكدست الأموال ..ولكن تغيرت الأحوال..
ذهب الشباب..وذهبت النضارة..
وغزا الشيب الرأس، وزادت المرارة..
فجلس يحدّث النفس التي كانت له بالسوء أمّارة :
الوحدة استوطنتني..فلا أنيس، ولا رفيق لي،
ولا أحد يحدّثني بأي كلمة، أو عبارة..
أين الأهل، وأين الأحباب،
وأين الأخلّاء الذين كانوا في كل ركن، وكل حارة؟!
نوى وعزم على الرحيل عن الغربة،
والوحشة، والظلمة..
والعودة للأرض، والأهل، وكل الأحبة..
نعم، سأعود..فلا هجرة بعد اليوم،
ولا فراق، ولا غربة...
حزم الأمتعة وبكل عزم وإرادة..
وطار بأجنحة السعادة بلا هوادة..
وحلّق في سماء الوطن..
ووطئت قدماه الثرى الذي كان له البيت،
والأمان والسكن..
صار يجول بناظريه في كل مكان..
وفي كل زاوية وغصن وفنن..
يا إلهي، كان لي هنا بيت وسكن..
وأم، وأب، وأخت، وأخٌ !
لا أحد هنا..ألم يرني أحد؟..
ألم يعرفني أحد؟..
أين أنتم يا أهلي في كل الوطن؟!
جاءه الجواب سريعا وفي العلن..
مات أبوك..وماتت الأم من الحسرة..
قتلتها الهموم والأحزان والمحن..
بعد انتظارها المرير لعودتك ورؤيتك..
لكن طال عليك الأمد في غيابك وغربتك..
جثا يقبّل الثرى، والدمع يملأ المآقي والمقل..
ويرجو من الله مغفرة وعفوا..
أن سلا أما وأبا، وأرضا ووطن..
وما رعى لهم حقا..
وما أزال عنهم يوما أحزانا أو محن..
نجاة كلش.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق