الأربعاء، 17 أكتوبر 2018

" مكر أشباه البشر..." للشاعر المبدع \ أنور محمود االسنيني


" ... مكر أشباه البشر "

ما عدت أدري أين أمشي يا أنا ؟!
هذي الحياة كأنها ليست لنا
كل البقاع على اتساع رقاعها
ضقنا بها أم أنها ضاقت بنا ؟!
متخبطا ما زلت أسأل خطوتي
هل للبقاء أمدها أم للفنا؟!
قدماي مثقلة بكل تعلة 
كالدوح تحمل في الجذوع الأغصنا
ألم وحزن واغتراب قاهر
سيف ونيران وضيف غصنا

كرب ودمع واعتصار بالأسى
جبل وأمطار وريح حولنا
صبت علي خطوب دهري كلها
فابتل جسمي بالشقاوة والعنا
بكت الطريق وقد تبلل تربها
من مزن حزن قد جفاها الأعينا 
آه وفي جسدي لهيب توجع
يشوي كياني أظهرا والأبطنا 
آه وفي نهش البطون يزيدني
وحش الدماء تغلغلا وتمكنا

يحتلها وله تناسله بها 
متكاثرا ينمو بلمحة طرفنا 
يقتاتني عمرا وأحسبه به
يوم النهاية للبداية قد دنا
آه وآه من رجيع تقيؤ 
ورعاف أنف ما تثلث نزفنا
زادت ينابيع النجيع تفجرا
فأحالت الدنيا وعمري أدكنا 
آه وشهقات الضلوع إلى الردى
وزفيرها جلب الرجوع مطمئنا

آه وآه أين كان مخبأ
عنا الذي بدمي وأحشائي عنا
أين اتجاهي والمدى يا وجهتي
وخطى بغير هدى تريد الموطنا
آه وآه يا أنا مما بنا
نصفي أنين واغترابك نصفنا
وحدي أصارع علة تغتالني
في كل أنفاسي بعزم ما ونى
لا حول لي فيها ولا ألقى بها
من قوة والداء أضحى مزمنا 

ماذا يخبئه الأطبة فحصهم
متفيرسا وجدوه أم متسرطنا ؟
آه وهل يجدي الطبيب مريضه
نفعا إذا ما عاده متقينا ؟ 
وحدي فمن بعدي ومن سندي هنا؟
إلاك يا من لم أزل بك مؤمنا 
آه وآه من تأوه وحدة 
في غربة وجعي بها هو أهلنا
ما علتي في الجسم مثل تعلتي
ممن لهم في الروح قصرهمو ابتنى

ألمي من الأهلين أصبح كله 
أقسى وأخبث ما أراه وألعنا
وضعوا قبالي الموت بعد جراحة
في كوب سم كالمياه تلونا
ففتحت عيني إثر منج تخدري
وبدا صدى وجعي يقبل كوبنا
وضعوه موتا أبيضا ياليتهم
وضعوا التهاني بالشفاء تحننا 
وضعوه حبا للردى ياليتهم
وضعوا أكاليل الزهور تيمنا 

ياليتهم وضعوا القلوب صفاءها
كالحب في باقات ورد معلنا 
وضعوه ثم رمى الرحيم بمكرهم 
في قلب مكلوم يهم لهمنا
أنبئت جسمي بالسموم مغذيا
والغسل محتوم فخذه محصنا 
فنهضت رغم جراح حالي ماشيا
نحو الطبيب فزدت منه تيقنا
وغضضت طرفي عن تهاني أخوتي
ورفضت في ظرفي الشكاية محسنا

قيدت نفسي بالسكوت تعقلا
ليموت فيه الشر أو يتفطنا
فإذا به يأتي إلينا مرجعا
كراته سما بأكل ضمنا
وإلى حياة اللاشعور تطوف بي
غيبوبة حتى فتحت الأجفنا
في حالة لم ألق إلا خالة
من أخت قاتلتي كسابقها لنا 
رفع الطبيب إلى العدالة أنه :-
مكروا ومكر الله خير عندنا

ما عدت أعرف والرفيق تنهدي
أأبي وأمي عن طريقي في غنى ؟
باعا حياتي .. لست أدري يا أنا
ضاعا هنالك أم أضاعاني هنا ؟
ما لي أرى وجه الديار كأنه
ملك وفي كنه الحوار تشيطنا ؟
ألوى ذراع تساؤلي فكتمته
والصمت في مليون جسر مبتنى
ووجدتني أحيا ديار ثعالب
المكر فيها لا سواه استوطنا

لا الشمس شمسي لا ولا هذا بدا
قمري ولا تلك الكواكب بعضنا
أأمومة وأبوة وأخوة
تلك التي ألقيت فيها موهنا ؟
هذا الفضاء العائلي مزور
أم قاتلي للخبث أصبح مذعنا ؟
لم يقتلوني بالأذى منذ الصبا ؟
لم منهمو ينمو شبابي هينا؟
لم يقتلوني والسنين خدومة
لهمو وللضيفان ينزل بيتنا ؟

لم يقتلوني بالإهانة والطوى
وبقهر دهر أسكنوني المخزنا ؟
لم يقتلوني بامتلائي عزلة
وتوحدا حتى ارتويت تمسكنا؟
لم يقتلوني باغتراب عنهمو
وبصعر خد في اقتراب بيننا؟
لم يقتلوني والبطون غذاؤها
وبدون من مجلب من خيرنا ؟
لم يقتلوني بالسموم نهاية
لعموم جور حل فيه بدؤنا ؟

غزل الجرائم من مظالم غاشم
لن يرتديه سواه مهما غشنا
وإذا أفاض الله نعمة ستره 
غاضت لتكشف نقمة من ربنا
ستر السماء إذا سخرت بسدله
مستهزئا لم تلق فيه تسلطنا 
ما كل أوقات الحياة بحالة
الليل فيها والنهار يدلنا
يا من بذرت الشر في أرض الخفا 
يهناك في خير الظهور المجتنى

احصد قبيحك في فضوحك جامعا
ثمنا ربيحا ما سمعت الألسنا
يوم الحصاد لما زرعت قيامة
فانظر أسرك خيره أم أحزنا؟!
سد جوع بطنك من ثمارك راضيا 
لا يشبع الإنسان إلا ما جنى
آه وآه من حياة لم تدع
حتى بأعياد لنا بعض الهنا
آه من الآهات حين تعودني
وتزيد إدرارا بأدرار الضنا

من عاش في يم التعاسة غارقا
أتراه ينجو بالسعادة في الدنى ؟
لم لا ؟!! وفي عمري أمان كلها
عيش الأمان بحلوه ما أمكنا
يطوي زمان الغدر فيه صحائفا 
ويعيد لي تأريخ أهلي معدنا
نفسي تعانقني الكواكب حبها 
ويضمني القمران ضما أحسنا
فليأتني زمني بموعد نظرة 
منهم ويأخذ لو شريت الأزمنا

أنسى وينساني السؤال بثالث
لعقود دهري قد رعاه بمن أنا
ليل المآسي لن يدوم وفجره
من غير يأس إثره فرح السنا
ثقتي برب العالمين سحائب
لم تنقشع وغدا ستمطر بالمنى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بقلمي أنور محمود السنيني

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق