مجلة وجدانيات الأدبية (( أولاد الأصول )) بقلم أ. د. محمد موسى
أولاد الأصول
الشعب المصري من شعوب الأرض ذات الحضارات الضاربة في عمق التاريخ، ومن أوائل الشعوب التي دخلت إلى دين الإسلام على ملة الخاتم ﷺ، ومن الشعوب العربية التي إحتضنت كل الثقافات العربية، ولما أُحتلت من الإستعمار على مدار التاريخ هضمت ثقافاته ولم تتلون وتركها الإستعمار، وهي من الشعوب ذات ثقافات تؤثر في الأخرين ولا تتأثر بالأخرين إلا قليل، والقاهرة ظلت لسنوات أجمل وأنظف وأرقى من أكثر العواصم العالمية مثل باريس ولندن، وقلدها الجميع حتى أن من قدر له الله السفر والتجول في بلاد العالم يجد إسم القاهرة في الكثير من بلاد العالم، وفي اللغة العربية لدى المصريين تركيبات لغوية إنفردت بها الثقافة المصرية الحديثة، من تلك العبارات اللغوية "أولاد الأصول"، هذا المصطلح يطلق على المصري الذي يحترم نفسه ويحترم غيره ووعده ويحافظ على الأمانة، وأكثر الأمانات التي عند المصري إبن الأصول المرأة الزوجة، وقد يتعجب البعض من أن تعبير أولاد الأصول يطلق على الأغنياء وعلى الفقراء سواءً بسواء، فهو تعبير عن حفظ الأمانه وليس عن مقدار الثراء، وبطل قصتنا من الذين يطلقون عليهم أولاد الأصول، فهو يسكن في حي باب الشعرية في القاهرة، وقديماً كان للقاهرة أبواب تغلق ليلاً وتفتح صباحاً، ومن هذه الأبواب باب البحر وباب الحديد وباب زويلا وباب الخلق وباب الفتوح وباب النصر، وكذلك باب الشعرية وهذا الحي يمتاز عند المصرين بوجود مسجد سيدي الشعراني وهو من الأقطاب ويمُت بصلة إلى المغفور له بإذن الله الموسيقار محمد عبد الوهاب، والذي تمثاله النحاسي يتوسط الميدان، يسكن هذ الحي بعض المصريين من متوسطي الحال، وإن كان هو من الأحياء التجارية والتي تمتاز بتجارة المواد الغذائية والخضروات، وأحد تجار هذا الحي بطل القصة التي تزوج من إبنة كبير التجار في الحي، وكان أبو العروس تاجر ثري وكريم على الأخرين، ولما زوجه إبنته طلب منه شيئاً واحداً أن يحسن عشرتها فهي يتيمة الأم منذ الطفولة، وتزوجها وبعد وقت قليل توفى أبو العروس، وجاء تجار الحي للمطالبة بأموال لهم عند أبو العروس، الذي كان قد تعرض لهزة في السوق أفقدته الكثير مما يملك فقام زوج الإبنه، برد كل ما كان على أبو العروس وكان له شرطاً واحداً ألا تعلم زوجته عن حالة والدها شيء، ويظل إسم أبوها فخراً لها ولأحفاده من بعده، وكانت قد أنجبت له 4 بنات ثم الخامسة ثم السادسة، وفي بعض أوساط المصرين خصوصاً من له جذور صعيدية أو جذور تنتمي إلى الريف، الولد يمثل شيئاً أساسياً وإلا يبحث الزوج إن لم تأتي له الزوجة بالولد عن أخرى، وهذا الأمر مخالف للعلم حيث ثبت أن نوع المولود ذكراً كان أم أنثى يحدده الرجل لا المرأة (المرأة XX أما الرجل XY) وبدون تفاصيل، وأتسعت تجارة الزوج، ولأنه من صعيد مصر وأصبح واسع الثراء، سمع من أهله وكذلك من أصدقائه كلام عن ضرورة الزواج من أخرى لكي تنجب له ولد، حتى لا تضيع كل هذه الثروة وتذهب إلى الغرباء، وزاد الإلحاح له وزاد أصراره على أن هذه الزوجة أمانة قد جعلها كبير التجار أبوها عنده، وأبداً لن يكون سبباً في عدم الحفاظ على وعد أبوها يوم زواجه، حتى الزوجة قالت له مرة فالتتزوج وتجرب حظك مع أخرى، إلا أنه قال لها إن لم يرزقني الله بالولد منكِ، فسوف يرزقني من بناتي بعد زواجهن، وكبرت البنات وفي بعض الأوساط الشعبية المصرية زواج البنت مقدم كل شيء حتى على تعليمها، وتزوجت البنت الأولى والثانية والثالثه والرابعة، ويشاء الله أن كل البنات قد أنجبن ذكور، وعلى فراش المرض الذي كان هو النهاية له جلست بجانبه زوجته، وقالت له أنت من أهل الجنه وأنا سأطلب من ربي لك الجنه جزاء رعايتك للوعد والأمانه، ويكفي أنك لم تغضبني مرة وأحسنت عشرتي وأحسنت تربية بناتك، ولأول مرة أخبرته أنها تعلم ماذا فعل للحفاظ على سمعة أبيها وتسديده لكل الديون، وقبلت يده فقد أحسن لسمعة أبيها وقالت له فعلاً أنتَ إبن أصول.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق