الثلاثاء، 2 يناير 2024

مجلة وجدانيات الأدبية (( ما بين المروءة والنذالة )) بقلم الكاتب صخر محمد حسين العزة \عمان – الأردن



مــا بــيــن الــمــروءة والــنــذالـــة
الإنسان في مسيرة حياته يسير على صراط دُنيوي تتحدد فيه خُطاه التي خطاها ، فإما أن ترفعهُ إلى مقام العُلى والرفعة ، وإما أن يسقط في مدارك السقوط والإنحطاط ، وهي الممهد له للسير على الصراط يوم الحساب في الآخرة حسب تفاوت أعماله في الدنيا ، فالصراط المستقيم في الدنيا الَّذِي أمر الله العباد بسلوكه والإستقامة عليه ، وأمرهم بسؤاله الهداية إِلَيْهِ، فمن استقام سيره عَلَى هذا الصراط المستقيم في الدُّنْيَا ظاهرًا وباطنًا، استقام مشيه عَلَى ذلك الصراط المنصوب إلى نار جهنم، ومن لم يستقم سيره عَلَى هذا الصراط المستقيم في الدُّنْيَا، بل انحرف عنه، إما إِلَى فتنة الشبهات أو إِلَى فتنة الشهوات، كان اختطاف الكلاليب له عَلَى نار جهنم بحسب اختطاف الشبهات أو الشهوات له عن هذا الصراط ، وروى أبو الزعراء ، عن ابن مسعود قال : (يأمر الله بالصراط، فيضرب عَلَى جهنم، فيمر الناس عَلَى قدر أعمالهم زمرًا زمرًا، أوائلهم كلمح البرق، ثم كمر الريح، ثم كمر الطير، ثم كمر البهائم، حتى يمر الرجل سعيًا، وحتى يمر الرجل مشيًا، وحتى يجيء آخرهم يتلبط عَلَى بطنه، فيقول: يا رب لم أبطأت بي؟ فيقول: "إني لم أبطئ بك، إِنَّمَا أبطأ بك عملك ) فالمؤمن يمرعن الصراط المستقيم سريعاً كالسهم إلى موقعه في جنة الخُلد ، وأما الكافر فلن يجتازه وسيسقط في قعر جهنم إلى الهاوية ، وهنا ننظر كمثالٍ إلى تُجار الرقيق الأبيض ، الذين يتاجرون بأعراض الناس ويجبرون النساء على بيع شرفهن مقابل أموالٍ يجنونها ويقبضون ثمن ذلك ، وكذلك الحال تُجار المخدرات الذين يُدمرون شباب الأمة وبدمارهم يُدمرون الأمة بأكملها ، وحالياً يوجد تُجار آخرون كأمثال هؤلاء بل أشدُّ بلاءاً ، وهم تجار الدم الذين يتاجرون بدماء أبناء شعوبهم على حساب المحتل الغاصب ، فكل هؤلاء مُتصفون بالخسة والنذالة ، وسيكون مصيرهم أسوداً في يوم الحساب عند الوقوف بين يدي الله عزَّ وجلْ .
إن ما أرغب في طرحه في هذا المقال حول معركة طوفان الأقصى العظيمة التي حطمت أسطورة الكيان الصهيوني المحتل في كل المجالات ، وعرت زيفه أمام شعوب العالم التي كانت مُغيبة من قبل حكوماتهم المتواطئة مع هذا الكيان البغيض ، لأنهم لم يكونوا يروا إلا من خلال إعلام الصهاينة ، وأمام المجازر التي ارتكبها العدو الصهيوني ضد شعب فلسطين عامة وغزة خاصة ، هبت شعوب العالم مستنكرة هذه الأعمال وقامت بالمظاهرات والمسيرات المنددة بذلك ، وبمقاطعة جميع الشركات والمؤسسات الداعمة لهذا العدو
ولكن ما يؤلمنا أن نرى أن الكثير من أبناء شعوبنا العربية لا تزال تمد الإحتلال بالدعم بحجة التطبيع ووجود معاهدات سلام معه .
يجب علينا أن نستذكر حصار قريش للمسلمين في شعب إبي طالب الذي دام ثلاثة سنين بعد أن قرَّرَ كفار قريش قتل النبي ، فجمع أبو طالب قومه ، وأمرهم أن يُدخلوا هم ورسول الله الشِعب حفاظاً على حياته ، فحاصرتهم قريش في الشِعب ، وكابد النبي صلى الله عليه وسلم الحصار الذي قطعوا فيه عن المسلمين كل شيء من ماء وطعام وكل سُبل الحياة ، ولكن ثباتهم على الحق وإيمانهم بقضاء الله وقدره أبقاهم صامدين ، إلى أن جاء أُناسٌ من أشراف قُريش عددهم خمسة من غير المسلمين كان على رأسهم هشام بن عمرو الهاشمي وكان لا بد له أن يجمع آخرين معه لتنفيذ نقض هذه الوثيقة وتمزيقها ، فقصد زهير بن أبي أميَّة المخزومي ، وكانت أمُّه عاتكة بنت عبد المطَّلب، فقال له : يا زهير ! أقد رضيت أن تأكل الطَّعام ، وتلبس الثِّياب، وتنكح النِّساء وأخوالك حيث قد علمت، لا يبتاعون، ولا يُبتاع منهم، ولا يَنكْحون، ولا يُنْكح إليهم؟ أما إني أحلف بالله، لو كانوا أخوال أبي الحكم بن هشام ، ثمَّ دعوته إلى مثل ما دعاك إليه منهم ؛ ما أجابك إليه أبداً ، قال : ويحك يا هشام ! فماذا أصنع ؟ إنَّما أنا رجلٌ واحدٌ ، والله لو كان معي رجلٌ آخر؛ لقمت في نقضها ! فقال له : قد وجدت رجلاً ، قال: من هو؟ قال : أنا ، فقال له زهير : أبْغِنَا ثالثاً ، فاتفقوا وبحثوا عن آخرين ، فانضم إليهم المُطعم بن عُدي ومن ثمَّ ذهبوا إلى زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد ، فاجتمعوا الخمسة واتفقوا على نقض الوثيقة ، فنقضوا وثيقة المقاطعة ومزقوها ، فأين نحن من موقف هؤلاء الكفرة في نصرة إخوانهم المسلمين لأنهم من أبناء عشيرتهم ، فما يتعرض له أبناء غزة من عقاب جماعي ومجازر لم يمر مثلها في التاريخ البشري من تجويع وقتل وتشريد وخذلان عالمي ، يجعلنا نقارن حصار المؤمنين في زمنين، والظروف التي مرّت بها أمتنا في بدايات انتشار دعوة الإسلام، وما تعانيه اليوم في ظل الحصار والعدوان والخذلان للمستضعفين في فلسطين ، ولا يستطيع عربي ولا مسلم أن يُقدم شربة ماء أو قطعة خبر لإنقاذهم بل نساهم في دعم الإحتلال في مجازره بمنع المساعدات الإنسانية للدخول إلى قطاع غزة ، بل زيادة على ذلك من يقدم له بالخفاء من مساعدات ودعم بتوريد البضائع له ، فتسمع من هؤلاء المنافقين كلاماً جميلاً وفي الخفاء داعمون له ، قال تعالى في سورة الصف – الآية3 : { كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ }.
في معركة طوفان الأقصى في السابع من تشرين أول عام 2023م هرب المستوطنون الصهاينة من غلاف غزة تاركين مزارعهم التي هي أرضنا المحتلة أصلاً ، وهذه المزارع التي تورد لأسواق الإحتلال الصهيوني ما يقارب سبعين بالمائة من الخضار والفواكه ، وكان لا بد للإحتلال أن يبحث عن البدائل بالإستيراد من الدول المجاورة ، ونتفاجأ قبل أيام بأن بعض التجار في الأردن الذين فقدوا شرفهم ومروءتهم يصدرون خضرواتهم لهذا الكيان الذي يبيد إخوانهم في غزة وفي الضفة الغربية ، وقد تحججوا بحجج واهية أنه يوجد معاهدة سلام ومسموح لهم بالتصدير ، وكأن الحكومة واضعة سيفاً على رقابهم تفرض عليهم ذلك ولكن جشعهم وطمعهم جعلهم يتناسوا الدماء التي تسيل في غزة والضفة الغربية ، وهؤلاء ما الفرق بينهم وبين تجار المخدارات وتجار الرقيق الأبيض ، ونحن هنا في الأردن وقف الشعب الأردني ولا يزال مواقف مشرفة مع شقيقه الفلسطيني في مأساته ولا يزال الأحرار يخرجون بالمظاهرات والمسيرات في كل المحافظات قاطبة ونراهم مرابطين ليل نهار واقفين في محيط سفارة الإحتلال الصهيوني وسفارة ربيبتها أمريكا راعية الإرهاب والشر العالمي ، فهؤلاء التجار- تجار الدم لا يمثلون الشعب الأردني الحر ، ولا حتى موقف الحكومة المشرف التي أوقفت توقيع عدة إتفاقيات ، ومنها إتفاقية الطاقة مقابل الماء ويمدون غزة بجسور جوية من المساعدات ، فلا تُعلقوا تفاهاتكم على مشجب الحكومة التي أعطت الحرية للشعب للتظاهر والتعبير عن براكين الألم التي تتفجر داخله ، فكل حبة خضار توردونها للكيان المحتل هو شريان حياة له ، وبه يغذون شريان الموت لأبناء قطاع غزة ، فخضاركم قنابل متفجرة في أجساد أطفال ونساء وشيوخ غزة ، وكل من ساهم في البيع أو التحميل أو النقل أو أي عمل يدعم فيه الإحتلال هو شريكٌ في الجرم وفاقدٌ للمروءة ولعروبته ودينه ، وخائنٌ لوطنه.
ختاماً أقول أن الشرف والمروءة ليست بحاجة إلى قرار بل قرارها نابع من نفسك وما تمليه عليك ، فإما أن تحمل الشرف والنُبل والمروءة ، وإما أن تتلوث بالخسة والنذالة ، فبين النذالة والشرف خيطٌ رفيع كصراط الآخرة إما أن يرفع إلى القمة والعزة والشرف وإما أن تسقط في قعر الخيانة والنذالة ، فشرف الإنسان أو عدمه يظهر من تصرفاته وليس بمظهره الخارجي إذ قد يكون خارجه عكس باطنه ، فالمظهر الخارجي لا يوحي بالنزاهة والأخلاق ، فالشرف لا يقبع خلف متر قماش زائد أو طول شعر لحية ، وحالكم كحال شيوخ النفاق – شيوخ السلاطين ، والفيصل هنا أن طوفان غزة كان الفاضح والكاشف وعرّا كل من تدثر بثياب الفضيلة والأخلاق ، وهو منها براء ، والفيصل بين الشرف والنذالة هو الفيصل بين الفساد والنزاهة ، وهو الفيصل بين الشجاعة والجبن ، والفيصل بين الإيمان والكفر
وفي النهاية أقول أنه من العار على هذه الأمة جمعاء أن لا تستطيع تقديم الدعم المعنوي لفلسلطين وليس العسكري ولو بشربة ماء أو لقمة خبر ، أو زجاجة دواء ،
 وكما قال أبو عبيدة ( لا سمح الله ) وبالمقابل نرى المطبعين يقدمون للعدو الصهيوني كل فروض الطاعة ، وأقتطف أبيات للشاعر أحمد يوسف من قصيدته معبر النعوش تصف حال واقع أمتنا المؤلم :
القدسُ باكـية ٌوالشامُ والحرمُ أشـلاءُ قومي لـها النيرانُ تلتهمُ
أطفالُنا أصبحوا صيـداً لـطائرةٍ حمــقاءَ تبدو على أطـرافِها الحـِـممُ
شَاهدتُ بالأمـس ِأمَّاً ودَّعتْ وَلداً راحتْ منَ النَّعش ِتدنو وهيَ تبتسمُ
ألقتْ على خدِّه ِالمغبرِّ قبُلتَهَا ثُمَّ انثنتْ نحْــــــونَا تدْعو لِمنْ سلمُوا
عارٌ على أمةِ الإسلام ِأجْمـعِها أولادها قـُـتــُّـلوا ِمنْ قبْلِ أنْ فُطموا
لو كانَ فيكم شَـــريفٌ واحدٌ رَهِبُوا أو كانَ منْكمْ شُجاعٌ واحدٌ نَدِمُوا
لا يُفتَحُ المعبرُ المشؤومُ في رفـحٍ إلا لِنعشٍ بِهَا الأشـْــلاءُ والرِّممُ
هـذي نعُوشٌ على أخشابِها العَلمُ أَهلا ًبِهِ جُثة ًفي النَّعـِش نحفظُها
ذا اتّـفاقٌ معَ الإذعانِ ينســجمُ أينَ المُــعزُّ الذي تحكي مآثرَه ؟!
في كُلِّ سِــفْر ٍعلى تاريخنا قلمُ قدْ راعها أنْ ترى صـِـــهيونَ يَنتقمُ
الخُـبزُ يفنى وَتَجْـري فَوقنَا الحِممُ الغاز والنِّـــفط مجانا لســادتكم
والجوع والموت مجـانا لأهلكم بالذل بعتم كنوز الشعب في عـجل
لم تكسبوا ذهــبا بل ضاع ديـنكم يبني النفاق الذي تحيون ســنته
يا شاعر القدس قـد هدني الألم لا فرق عندي أنا والموت يجمـعنا
صبرا بني غزة الأحرار واحتسبوا ما خيب الله قوما دام صبرهم
عندي لكم دعوة لـــلـه ترفعها أنهــار دمع وقلب خاشـع وفم
والنصر وعد من الله يصــــنعه بأس شـــديد وصبر دائم ودم
صخر محمد حسين العزة
عمان – الأردن
1/1/2024

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق