حوار الروح
في ليلٍ ساكن، حيث تكتسي السماء بالنجوم المتلألئة، تجلس الروح في زوايا الصمت، تتأمل الكون وما فيه. يدور الحوار الباهر في عمقها، صوتها الهادئ ينهض من بين خيال الأفكار ورجفات الأحاسيس. تتيه الأفكار بينها، تبحث عن إجابات، عن معنى، عن مصدرٍ للسلام.
تسأل الروح: "ما الذي يجعل الحياة تستحق العيش، إذا كانت الأيام تتقلب مثل أمواج البحر؟" فترد عليها الذكريات، تحتضنها كما تحتضن الأم طفلها. هناك ضحكات أصدقاء، لحظات حب، وأوقات صعبة تحملت فيها وأنهضت بعد السقوط. كل ذكرى تشبه نجمة مرصعة في سماء قلبها، تلّمع في عرض الأفق الواسع.
لكن الروح تتساءل أيضاً: "لماذا الألم موجود؟" تجيبها المواقف الصعبة بأن الألم هو طريق الفهم. من خلال المعاناة، تتشكل الشخصيات، وتتجسد القوة. اللحظات الحزينة تفتح الأبواب نحو النور، وتعيد صياغة الفرح بأساليب جديدة.
تبدأ الروح في حوارٍ بين النور والظلام، تسير بخطوات واثقة نحو عمق التجربة، حيث تكون الألوان أكثر وضوحًا. تقول: "إنني أريد أن أتعلم من كل تجربة، سواء كانت أليمة أو مفرحة." يتصاعد صوت الحكمة، يردد في الأرجاء: "تقبل كل ما يأتي، فكل لحظة هي درس."
يمر الوقت، وتبدأ الروح بالتأمل في الحضور الساكن. بينما تعانق الأبعاد اللامتناهية، تدرك أن الحياة ليست سوى حوار مستمر. إن الحديث مع النفس، ومع الآخرين، ومع الكون، هو أسلوب التواصل الحقيقي. فالعلاقات تتشكل بكلمات محبوكة بأهداب البساطة والعمق.
وأخيرًا، تدرك الروح معنى الوجود؛ نحن جميعًا في حوارٍ عميق. كل خطوة نخطوها، وكل كلمة نخرجها، تضيف لمسة إلى نسيج الحياة. تأخذ نفسًا عميقًا، وتهمس: "كل شيء يأتي كما يجب، فقط استمع، وحاور روحك بصدق."
في النهاية، يتوقف الحوار، لكن الروح تعلم أن هذا ليس نهاية، بل بداية لصوتٍ جديد، ولقصةٍ لم تُروَ بعد.
مولاي شريف شبيهي حسني
اللوحة التشكيلية للفنانة حفيظة مسلك Hafida Msellek
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق