احسن الظن
بقلم عاطف محمد
يقول ابن مسعود رضي الله عنه: "والذي لا إله غيره ما أُعطي عبد مؤمن شيئًا خيرًا من حسن الظن بالله تعالى، والذي لا إله غيره لا يحسن عبد بالله الظن إلا أعطاه الله عز وجل ظنه، ذلك بأن الخير في يده.
" رواه ابن ابي الدنيا".
وبعد يومين تقريبًا هبت العواصف وارتفعت الأمواج وكان لزامًا أن تخفف حمولة السفينة التجارية المشحونة بالبضائع والركاب، لأنها فى خطر بالغ فسوف تغرق بالجميع لا محالة، فكان قرار قائدها أن تُخفف الحمولة وتم إلقاء مالم يكن هناك حاجة فيه ولكن لا فائدة.....
فلابد من التضحية ببضاعة كاملة ومتاع كامل لأحد الركاب، فهذا السبيل للنجاة وكأن قصة نبي الله يونس عليه السلام تكرر نفسها ولكنها فى البضاعة والمتاع وليس الإنسان .
ولاحظ أحد التجار تهامس الكل حوله فقد كانوا ينظرون له نظرة ذات مغزى ولكنه قال في نفسه
_ أحسن الظن بالناس كأنهم هم كل خير، واعتمد على نفسك كأنه لا خير في الناس.
وكتم ظنه فى نفسه حتى يتبين الأمر ....
فاجتمع التجار على عجل قبل فوات الأوان ، وتم اختيار أحد التجار لترمى بضاعته فكان صاحبنا هو المقصود فتأكد شكه ، ولكنه اعترض بشدة ...
لماذا هو تحديدًا أليس هذا ظلما !!!!؟
فكان الرد
_ إن بضاعتك أكثر البضائع حجمًا وتأخذ مساحة كبيرة من السفينة وتمثل ثقلًا كبيرًا.... فاقترح التاجر الجديد أن يُرمى من كل تاجر جزءًا بالتساوى حتى تتوزع الخسارة على جميع التجار هذا هو العدل ...
ولكن التجار أصروا على قولهم ، وبدء الجميع فى إلقاء بضاعته ؛ لأنهم استضعفوه فهو تاجر جديد وهذه أول رحلة له بينهم ، وكانت المؤامرة محكمة الإغلاق فقد ألقى التاجر أيضا دون رحمة أو شفقة ، بل وعلت الابتسامة بل الضحكات على وجوههم وأكملوا رحلة السفر بعدما استوت السفينة وعادت لاتزانها....
وجد التاجر نفسه وسط أمواج عاتية لا ترحم فاستبد به اليأس وايقن أنه لامحالة غارق غارق ، فاصابه خوف شديد ولكنه تذكر ......
أن مع العسر يسرًا فسلم أمره لله و قال لنفسه
_ حسن الظن بالله ركيزة مهمة من ركائز الإيمان والعقيدة على أن أثبت وأدعو الله .
وأمسك بأحد الصناديق الطافية على وجه المياة... ومرت ساعات لا يعرف عددها فأصابه التعب والهزال ونام من فرطهما، ولكنه استيقظ على لطمة قوية من أمواج البحر تلقيه على الشاطئ فانتبهت كل حواسه ،
نظر حوله فوجد نفسه على جزيرة مجهولة ، ولما جاس فيها وجدها مهجورة ولكنها غنية بالثمار التى يعرفها والتى لا يعرفها، فقرر أن يتعايش مع الأمر الواقع، فقد يسر الله له الحال لقد وجد ملاذًا آمنًا ، فشكر الله ودعاه ولكنه لم يكمل الدعاء ، فإذا بذئب يظهر له مضمرًا له الشر وهجم الذئب على التاجر الذي استجمع شجاعته واستنفر قواه القصوى ، وتناول غصنًا من شجرة وقابل وثبة الذئب بقوة ضربة أطاحت بالذئب فارتطم بصخرة هشمت رأسه ومات، فخر التاجر على الأرض شاكرًا الله على نجاته ولكن المطر لم يمهله فتساقط بغزارة جعلته لا يعرف أين يذهب!!؟؟؟؟
إلى أن وجد ظلة أشجار كثيفة الأغصان فاحتمى بها مؤقتًا ، وخلال أيام أعد التاجر كوخًا من أخشاب الأشجار وفروعها، واقتات من ثمار الأشجار وسمك البحر وشرب من الينابيع والجدوال الكثيرة بالجزيرة ، ومرت عليه أيام برد وحر وتعايش راضيًا بأمر الله، وفى أحد الأيام الحارة هبت ريح أخذت معها أعوادًا محترقة من التى يطهو بها طعامه فاشعلت الكوخ بصورة سريعة لم تمنحه الفرصة لإنقاذ الكوخ فقد ألتهمته النار بشراهة شديدة ...!!!!
فصرخ ناظر للسماء بنجومها اللامعة
_ يارب ماذا فعلت لتعاقبنى بكل هذا ، هل ذنبي كبير إلى هذا الحد ؟؟؟
لقد أُلقيت أنا وبضاعتى دون رحمة فى الماء ، وخسرت كل شئ ، مالى وأهلى الذين لا أعلم كيف أعود اليهم ، حتى الكوخ الذى يؤويني احترق!!! وفى الليل حيث لا استطيع عمل كوخ آخر !!!!!
وظل يبكي بكاءً مريرًا، ثم تذكر قول سيدنا يونس
" لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين " فردد الدعاء محسنًا الظن بالله
ونام حزينًا جائعًا ولكنه مع بزوغ شمس الصباح وجد لم يصدقه عقله بسهولة!!!!!!!! رأى على المدى سفينة تقف فى عرض البحر ولما جال ببصره وجد قاربًا يقترب من الجزيرة، وبالفعل وصل القارب وقابلهم التاجر مبتهجًا فقالوا له
_ لقد جئنا لانقاذك .
_ انقاذي!!! وكيف عرفتم بمكاني؟؟
_ لقد شاهدنا نارًا فى الأفق فى نهاية الليل فقرر قبطان السفينة الإبحار جهة النار فوجدنا جزيرة فعرفنا أنها استغاثة من أحدهم و لابد أنه يطلب النجدة ووجدناك كما توقعنا .
شكرهم على حسن صنيعهم وأيقن أن الله قد أحرق الكوخ وحول مجرى السفينة من أجله
عظيم أنت يارب ...
أخذه البحارة وصعدوا به للسفينة وحكى لهم ماحدث له
وكيف ألقى من السفينة "الشهباء " فأخبره قائد السفينة بأن السفينة "الشهباء" التى يشير إليها هو يعرفها تمامًا، ومن مدة هاجمها القراصنة وسلبوا ما بها من بضائع وقتلوا من فيها واحرقوا السفينة فغرقت....
لم يصدق التاجر ماسمعه وخر ساجدًا لله على نجاته فقد كانت كل هذا الظروف قدر الله لإنقاذه فحمد الله وقال
_ سبحان الرحمن مدير الأكوان ، فمهما علمنا لن نصل إلى علمه وعلينا أن نحسن الظن بالله، فهو مدبر الأمور ، ومن أحسن الظن بالله عز وجل نال سعادته الحقيقية بالدنيا والنجاة والنجدة في الآخرة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق