زاوية بن احميدة (في حضرة الشريف)،
...هدوء تام يشل حركة البلدة على غير العادة هذا الصباح
فرغم استحواذ بلدة بيركوات على كل الأنشطة التجارية، والرواج الاقتصادي.. فالزاوية لا تخلو بدورها من حركة طلبة مدرستها القرآنية، وتلاميذ مدرستها الابتدائية الذين يؤثثون فضاءات الزاوية بشغبهم الطفولي، والنساء القادمات من الدواوير القريبة لعيادة المركز الصحي لزاوية ابن احميدة..
إلى أن هناك أمر جلل فرض هذا الهدوء لتبقى الزاوية خاوية على عروشها هذا الصباح،
وقبل أن يرتد إلي طرفي من شدة التفكير في أسباب هذا الهدوء المريب، وجدت عمي صالح أمامي يستعجلني بإصرار شديد على مرافقته لمقابلة الشريف، حتى خلت نفسي مجرما مبحوث عني قضائيا، وأن الرجل موكول إليه بالقبض علي وتقديمي لمحاكمة لا أعلم التهم الموجهة إلي.. لأكتشف بعد ذلك أن إصرار الرجل نابع من خوفه في الفشل في المهمة الموكولة إليه من طرف ولي نعمته الشريف لإستدراجي إليه طوعا أو كرها، فالفشل في المهمة قد يكلفه سحب الثقة منه، خاصة أن هناك من يتحينون الفرصة للاستيلاء على منصب يتشرف به دونا عن بقية الحواريين. الذين يتربصون للإطاحة به، أو هكذا يخيل إليه على الأقل...
عندها استوعبت سبب هذا الجمود الغير مألوف بزاوية ابن احميدة منذ قدومي إليها من الأسبوع..
فتواجد الشريف بامبراطوريته المستقلة، تتغير كل الطقوس
فلا ترى أحدا من ساكنة الزاوية إلا من خلال عمله، لا مكان للعاطلين أو (الحياطة) وتعني من يتخدون الحائط مكانا لقضاء وقت فراغهم. فليس لهم إلا اللجوء إلى بلدة بيركوات، أو المكوث ببيوتهم في انتظار مغادرة الشريف لمستوطنته...
أما عمي صالح فلم يترك لي فرصة التخلص منه، رغم عدم اقتناعي بمقابلة الشريف الذي تهتز له فرائص ساكنة منطقة الشياضمة من ذكر اسمه، للمكانة التي يحضى بها لذى السلطات العليا للبلاد، لكن فضولي قادني لمرافقة عمي صالح للوقوف على معرفة الرجل في عرينه.. توجهنا للمسجد حيث ينتظرني الشريف، وبينما أنا في حيرة من أمري أفكر في مدى أهمية هذه المقابلة والغرض منها، وجدت نفسي أمام باب المسجد. دخل عمي صالح في نوبة من السعال مفتعلة لإثارة انتباه الشريف بإحضار المتهم وهي إشارة لكي لا يتفاجأ الشريف بحضوري..أدوار وخطط محبوكة يتقمصها الشريف وحواريه في مثل هكذا مواقف رغم عفويتها، فهي رسائل مشفرة تمرر بينهم لا يفهمها إلا الراسخون في علم سياسة الشريف ومن يدورون في فلكه من المقربين..
تعمد الشريف عدم الانتباه لوجودي وهو منهمك في توجيه أحد الصناع يقوم بتزليج نافورة في باحة المسجد..
الحاج محمدان نقيب زوايا رݣراݣة في عقده السادس قوي البنية عريض وسيم المحيا عكس الصورة التي رسمتها له في خيالي، مما يؤكد أنه أخذ من تفكيري الشيء الكثير طيلة مدة تواجدي بالزاوية، لباسه التقليدي الفاخر وطربوشه الوطني أضفيا عليه هيبة ووقارا يليقان بهذا المنصب الاعتباري، يتوسط حواريه فوق كرسي وثير وهم يجلسون القرفصاء في حضرته على حصير وكأنهم في حلقة دروس، مطأطئين رؤوسهم من فرط الرهبة والهيبة التي نسجوها حول شخصية الشريف..
بادرت بإلقاء التحية احتراما للمكان و المتواجدين بالمكان..
عمي صالح يخاطب الشريف: (هاهو نعام أسي). وكأنه أحضر المبحوث عنه الهارب من العدالة..
الشريف: وبعد توطئة لبقة لكنها لا تخلو من نبرة سلطوية.. رحب بي على هذه الأرض الطيبة، مؤكدا أنني مادمت مقيما بالزاوية ملتزما بتقاليدها فأنا واحد من أهلها...
تلاها استنطاق شبه مستفز إلى حد ما، لم أتقبله كشاب لا يملك غير اندفاعه وتهوره، أنهيت اللقاء منسحبا دون استئذان
الشيء الذي لم يرق للشريف الذي تعود على كل من تطأ قدماه أرض الزاوية أن يقدم فروض الولاء دون اعتراض، والإحراج الذي سببته له في حضرة حوارييه ربما كأول متمرد على سلطته..
لم يمر التيار إيجابا بيننا من أول لقاء مما أثر سلبا على علاقتي بالشريف خلال مدة عملي بالزاوية، وكذلك مع المسؤول الإقليمي عن القطاع..
بعد مغادرة الشريف للزاوية مباشرة استعادت ساحتها بعضا من نشاطها كأن ساحرا فك طلاسم هذه البلدة الطيبة..//
رفيق مدريك
الصويرة في 6 دجنبر 2021
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق